كنت الخامس بين إخوتي. ولكن نداهة المشاوير خاطبتني مبكرًا، لأني ذكر صغير. وأخي ذكر كبير. وبيننا فتاتان لا يصح أن يخرجا إلا للشديد القوي، ما دون ذلك كان من نصيبي
تعلمت تمضية الوقت بالكثير من الألعاب. في خيالي أسابق المارة، هذا الرجل الخمسيني القريب من عمود الإنارة، سأصل لهناك قبله. هذه السيدة المخمرة، سأسبقها لحسن البقال. أو أجري من شخص لآخر في محاولة لربط كُل المارة في الشارع بخيط وهمي أنسجه كعنكبوت في رأسي. وفي رأسي كنت أشرد كثيرًا في آلية دخول وخروج الهواء إلى رئتي الصغيرة، وعندما أقرر التوقف عن التفكير في ذلك عمدًا، تقف أنفاسي. أشعر بالذعر، وأفكر في كيفية التوقف عن التفكير دون التوقف عن التنفس، فأفشل أكثر، ويملأني ذعر أكبر. قبل أن أبدأ على مدار المشاوير الممتدة لسنوات في تطوير آلية ناجحة في التشتيت: أفكر فجأة في شيء عشوائي بتركيز شديد، فيتشتت ذهني عن فكرة التنفس، ولا يوقفه.
كبرت، ذهبت المشاوير، وتبقى لي خطوتي السريعة المُرهقة لرفاق التسكع، وقدرتي على تشتيت ذهني عن الانغماس في الحزن والثقل
والخواطر القاسية. ولكن تلك القدرة فوق الطبيعية ضاعت فجأة، تحاصرني الأفكار الثقيلة والخواطر المزعجة، ولا أستطيع تشتيتها