Sep 22, 2010

البرادعي وبوش وثالثهما العراق



بفارق 4 سنوات، ولُدا في نفس الشهر ، الأول درس الحقوق في جامعة القاهرة، والثاني درس التاريخ بجامعة "يالا" في الولايات المتحدة الأمريكية، أما المصري فنجل نقيب المحاميين الأسبق، بينما الأمريكي نجل رئيس الولايات عن الحزب الجمهوري ، ولد "البرادعي" عام 1942 وبعدها بأربع سنوات ولد "بوش" الأبن ، سارا في خطوط متوازية، لم يتصورا أن تتقاطع بهذا الشكل وبهذه الحدة في نقطة واحدة ، كانت "العراق".

لم يعلم طرفا المعادلة، أن العراق ستكون كلمة السر في علاقة لم تكن قد بدأت بعد، وإن بدأت خيوطها تتشابك مبكرا ، ففي نهاية صيف 1997 ، وبينما يتناول الدكتور البرادعي عشاءا خفيفا مع زوجته احتفالا بانتخابه مديرا عاما لوكالة الطاقة الذرية، خلفا للسويدي هانز بليكس، وهي المناسبة التي علقت عليها مجلة "نيوز" النمساوية بعنوان يصفه بـ "الأمل في إصلاح أسلوب الإدارة داخل الوكالة الذرية"، كان بوش يعد لحملته الانتخابية للفوز بولاية تكساس مرة ثانية، وهو الفوز الذي تحقق فيما بعد، محققا رقما قياسيا لم تشهده الولاية طوال تاريخها، وأصبح أكبر داعم له في انتخابات الرئاسة، وعلي خلفية خطوطهما المتوازية كانت العراق تشهد في نهاية نفس العام بوادر طرد مفتشي وكالة الطاقة الذرية من العراق بأمر من رئيسها صدام حسين.

مرت سنوات، أثبت خلالها البرادعي قدرته علي إدارة الوكالة الضخمة ، و وصل فيها بوش للحكم و دخل بأمريكا والعالم كله في أتون "الحرب علي الإرهاب"، وفى عام 2002 بدأت العراق فى جذب خطوط طرفي المعادلة لمزيدا من التقارب، بدأت بالخطاب الذي ألقاه رئيس الولايات المتحدة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 سبتمبر 2002 ، و وصف فيه العراق بأنه "يشكِّل تهديدا لسلطة الأمم المتحدة وللسلام، حيث أنــه مــا زال يواصل تحدي قرارات الأمم المتحدة الداعية إلى تدمير أسلحته للدمار الشامل" ،و الشهر الذي يليه وافق المجلس بالاجماع علي القرار 1441 الذي ينص علي المجلس أن "العراق كان ولا يزال في حالات خرق جوهري لالتزاماته المنصوص" ، وقرر أن يمنح العراق فرصة أخيرة للامتثال " لالتزاماته المتعلقة بنـزع السلاح". وقرر كذلك أن يعقد اجتماعا فور تلقيه أي تقرير يقدم من سلطات التفتيش بأن العراق يتدخل في أنشطته ، وبدأ خطوط البرادعي وبوش في التلاقي.

وفي نفس القاعة التي هاجم فيها بوش العراق ، وقف "البرادعي" و " هانز بليكس" كبير مفتشي وكالة الطاقة الذرية بعد مرور شهر علي خطاب "بوش" و صدور قرار مجلس الأمن ،يناقشون أعضاء الأمانة العامة للأمم المتحدة في جلسة مشاورات مغلقة بشأن تقييمهم الأوّلي عن تقدم عمليات التفتيش وفيه قال البرادعي بوضوح حسب تعبير المركز الصحفي للأمم المتحدة " الوكالة لم تجد أي دليل أو مؤشر يُعتد به على أن العراق استأنف برنامجه النووي ..و ليس هناك ما يدل على أن العراق حاول استيراد اليورانيوم منذ عام 1990، كما أنه ليس هناك ما يدل على أن العراق حاول استيراد أنابيب ألمونيوم لأغراض نووية" ، تقرير أوّلي جّر وراءه تقريرين نهائيين، كانا ذروة التقاطع بين البرادعي وبوش ، فالرئيس الذي بحث طويلا عن شرارة تشُعل حربه علي العراق، وانتظرها قادمة من الوكالة الدولية، خّيبت التقارير توقعاته. وفي 27 يناير 2003 ، في مجلس الأمن ، وقف "البرادعي" مدير عام الوكالة الدولية يصيغ كلماته بمهارة ودبلوماسية واضحة "إن فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لـم يعثر حتى الآن على أي أنشطة نووية مشبوهة في العراق، وتشير القرائن إلى أن المفتشين سيأخذون مزيدًا من الوقت بعد ذلك التقرير " .

بعدها بشهران ، هاجمت خلالهما إدارة بوش العراق بكل قوة ، واتهمتها بإخفاء اسلحتها النووية، وقف "البرادعي" من جديد بمجلس الأمن فى 7 مارس 2003 ، قبل إنطلاق الحرب علي العراق بأسبوعين، وكان التصادم أقوي، هاجم فيه "البرادعي" الولايات المتحدة وبريطانيا وأعلن أن الوثائق التي ترتكز عليها الدولتان والتي أفادت أن العراق حاول شراء اليورانيوم من النيجر غير صحيحة "بعد تحليل معمق استنتجت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمساعدة خبراء خارجيين أن هذه الوثائق التي شكلت أساس التقارير حول عمليات شراء يورانيوم بين العراق والنيجر هي في الحقيقة غير أصلية" ، قبل أن يكمل "أستطيع أن أبلغكم اليوم فيما يتعلق بمدى تمكن العراق من إنتاج أسلحة نووية، أن التفتيش في العراق يتحقق نحو الأمام.. و لاتوجد هناك أي إشارة إلى أن العراق استخدم أنابيب الألمنيوم التي استوردها في إنتاج أجهزة الطرد المركزي لإنتاج أسلحة نووية..و ليس هناك أي إشارة إلى أن العراق استخدم وحدات المغناطيس عالي القوة التي استوردها في ماكينات تخصيب اليورانيوم... كما أن الوكالة تحققت من أنه ليس هناك أي إشارة إلى أن العراق حاول استيراد اليورانيوم المخصب منذ عام 1996"
وضوح وثقة "البرادعي" لم تمنع "بوش" وقتها من شن حربه علي العراق، مستندا علي المعلومات التي أعلن مدير الوكالة عدم صحتها.. ايام وسنوات مرت ، ظلت العراق خلالها نقطة ساخنة في العلاقة بين الطرفين ، وفى ذروة إنتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2004 ، قذف البرداعي ، بقنبلته في وجه "بوش"، بتسريب معلومات عن اختفاء الاف الاطنان من المتفجرات من العراق، قنبلة وصفتها "وول ستريت جورنال" بعنوان " انتقام رجل الامم المتحدة" و كتبت عنها في افتتاحيتها " صوتت الأمم المتحدة هذا الأسبوع في الانتخابات الرئاسية الأميركية .. واستخدمت 377 طن من المتفجرات العراقية لكي تعلن عن معارضتها لإعادة انتخاب جورج دبليو بوش" ، و علق مراسل بي بي سي في البنتاجون ، نيك تشايلدز علي القضية قائلا " المتفجرات المختفية تحولت إلى القضية الأهم في الانتخابات الاميركية ، قبل أيام قليلة من يوم الاقتراع" ، و بهدوء من فجر الأزمة رد "البرادعي" على تساؤلات وكالة اسوشتيدبرس عما أسمته "انتقاما منه ضد بوش "وقال "التوقيت ربما يكون مؤسف ، ولكن هناك دول عالم بالكامل الأمر يهمها أكثر من الانتخابات الأميركية " ، وهو التصريح الذي نقلته بعدها البي بي سي في تقرير بعنوان " البرادعي يرفض الانتقام " .
تلقي "بوش" الضربة، وسريعا كان يجهز للرد من خلال حملة كبيرة لمنع ترشيح "البرداعي" رئيسا للوكالة للمرة الثالثة، بعد أن كانت أول داعمة له خلال ترشيحه لأول مرة عام 1997، وقال عنه مندوبها بالوكالة جون ريتش وقتها "أنه الشخص المناسب الذي تريد الولايات المتحدة إعطاءه هذا الدور، فهو رجل من دولة نامية يملك ثقافة غربية، و متعاطف مع العالم الثالث»، مهّدت واشنطن للحملة بهجوم بلغ ذروته في سبتمبر عام 2004 باتهامه بمحاولة التأثير في الانتخابات الرئاسية الأميركية لمنع إعادة انتخاب جورج بوش لولاية ثانية، ومع اقتراب موعد انتخاب مدير جديد للوكالة الدولية، شنت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس والمندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة جون بولتون حملة لإقناع مجلس الوكالة بانتخاب وزير الخارجية الأوسترالي الكساندر داونر في هذا المنصب، بحجة عدم جواز انتخاب الشخص نفسه لثلاث ولايات متتالية.وهي نفس النقطة التي تبناها كولين باول وزير الخارجية حين تحدث لوكالة "فرانس برس" و قال " يجب علي البرادعي أن يتنحى ، نؤمن بسيادة الوكالة ولكن القاعدة الجيدة تقول أن ولايتين مدة كافية" ، جهود ضخمة شاركت فيها مدرسة الدبلوماسية الأمريكية بالكامل دفعت روبرت اينهورن ، الذي كان مساعد وزيرة الخارجية لمنع الانتشار النووي للتعليق "بالتأكيد كل هذا الجهد له ما يبرره من جانب الإدارة، واعتقد أن مواقف البرادعي من العراق و إيران هي السبب " .

فشلت الحملة الأمريكية في إقناع ثلث أعضاء الوكالة بالعدول عن أختيار البرادعي، مما دفع "بوش" بالذهاب في حربه ضد مدير الوكالة بعيدا، حسب وصف " الواشنطن بوست" التي وفجرت فضيحة جديدة للإدارة الأمريكية بعد أن نشرت تقرير واسع يتضمن اعترافات دبلوماسيين أمريكيين بمحاولة إدارة بوش التنصت علي مكالمات مدير الوكالة الدولية مع مسئولين إيرانيين، صدرته بـ "سجلت إدارة بوش العشرات من المكالمات الهاتفية لمحمد البرادعي مع دبلوماسيين إيرانيين و فحصتها بحثا عن ذريعة للإطاحة به، حسب اعترافات 3 من الدبلوماسيين الأمريكيين" و قالت فيه ،ان فشل الحملة الدبلوماسية الأمريكية علي البرادعي أشعل نيران الغضب في إدارة بوش ونقلت عن دبلوماسي أمريكي " الخطة هي مواصلة الهجوم علي البرادعي وإبقاء القضية ساخنة " بينما علق آخر "اتهام بعض المسؤولين الامريكيين البرادعي بإخفاء تفاصيل فاضحة عن البرنامج النووي الايراني جزء من حملة مدبرة ضده ".
ـ
فشلت الحملة الأمريكية، و أعاد مندوبي دول العالم انتخاب البرادعي مديرا للوكالة الدولية ، بعد أن رفضت حتي أقرب صديقات أمريكا (بريطانيا) - طبقا لما نقلته محطة "فوكس نيوز" - الانضمام للحرب علي البرادعي اعتقادا منها أن حملة أمريكا عليه بدافع الانتقام من موقفه في حرب العراق ، دون أن يكون هناك بديل واضح له". وبعد سنة واحدة كان يعتلي المسرح ليتسلم جائزة نوبل للسلام ، و يستمع إلى كلمات أولي دانبولت رئيس لجنة الجائزة ، الذي وصفه بـ" مدافع قوي عن الإجراءات التي تعزز جهود الحد من انتشار الأسلحة‏" قبل أن يبتسم ويضيف أن منح الجائزة لا ينطوي علي أي انتقاد مستتر لواشنطن‏, وأن جائزة البرادعي ‏‏" ليست ركلة في الساق لأي دولة‏ ".ـ

المشاوير

كنت الخامس بين إخوتي. ولكن نداهة المشاوير خاطبتني مبكرًا، لأني ذكر صغير. وأخي ذكر كبير. وبيننا فتاتان لا يصح أن يخرجا إلا للشديد القوي، م...