Jul 18, 2010

المصرى اليوم" تعيش يوماً مع البدو المطلوبين أمنياً فى سيناء "




على خلفية أزيز متقطع تصدره سيارته «اللاند روفر» بسبب تخطيه حدود السرعة المتاحة، التفت إلىّ سالم لافى، ليسألنى بنبرة صوت رخيمة، تشبه صوت أحد الدعاة الجدد، قاطعا صمتاً صحراوياً: «هو أنا لو اتقتلت فى اشتباك مع الشرطة الآن أكون شهيد؟.. سؤال هادئ، تخلى فيه المطلوب الأول من أجهزة الأمن المصرية فى سيناء، عن ابتسامته المعتادة، وحسه الساخر.. سؤال جاء من خلف قناع واثق، تحسبه لا يخشى الشرطة أو صوت الرصاص، وفى لحظة تجل، تحدث فيها «سالم لافى» الرجل الأشهر فى سيناء، عن شعوره ورؤيته لشخصه «أنا مش ملاك، بس هما كمان مش ملايكة»، وقناعته التى يستمد منها شجاعته «أنا بدافع عن عرضى وعرض قبيلتى، ومن مات دون عرضه فهو شهيد»، ودفاعه عن نفسه ضد اتهام التعاون فى الماضى مع نفس الأجهزة الأمنية التى تطارده الآن «عمرى ما اشتغلت لهم مرشد، كنت بتوسط للغلابة أو أحل مشاكلهم بمساعدة أحد قيادات الداخلية، لكن عمرى ما بلّغت أو أرشدت عن بدوى واحد».

..
يسيس «لافى» قضيته مشيرا بأصبعه إلى قطاع غزة المضىء على بُعد كيلومترات: «الداخلية بتطاردنا عشان بنساعد الناس دول» أو يمد مظلتها لتصبح قضية عامة: «كل البدو بيتعرضوا لظلم، ومطالبنا معروفة وأولها إلغاء الأحكام الغيابية ومقاضاتنا نحن والضباط أمام محكمة محايدة». نهار طويل وليل أطول ضم «المصرى اليوم» مع المطاردين فى جبال سيناء، رصدنا ثقتهم فى أنفسهم، وخوفهم على عائلاتهم، مشاعر المرارة تجاه ما يسمونه «اضطهاداً»، وشطحات خيالهم فى خطط كبيرة، قابلة للتنفيذ فى حالة استمرار المواجهة.. يوم فوق الجبل، تنقله «المصرى اليوم» بتفاصيله.

لا فرق فوق الجبل بين ليل أو نهار، دوما توجد عيون ساهرة، متيقظة للطريق الرئيسى، وعيون نصف نائمة تنتظر إشارة أو همسة فى أذنها لتستيقظ، فى الظهر وعندما يكون الجميع مستيقظا، يتفرق الجميع فى أنحاء المكان، غرفتان من أحجار رمادية، فارغتان معظم الوقت، فى المساحة الواسعة أمامهما يجلس الجميع على سجاد بسيط، يحيط بهما سور مرتفع من جهتين، والغرفتان من جهة، ويبقى الضلع الأخير مفتوحاً على صحراء ممتدة، تقف فيها سياراتهم «اللاند روفر» التى يتغير عددها طوال اليوم، ما بين ٥ و١٥ سيارة، وحوض مياه واسع، يخزنون فيه المياه للوضوء والاغتسال، يجلس الجميع متناثرا فى أنحاء المكان، يشربون الشاى الذى لا يتوقف عن الغليان فوق نار حطب مشتعل لا تموت، يستند البعض إلى الحائط ويحدق فى الفراغ، ويتكئ آخرون على أحجار بيضاء، يتسامرون فى ثنائيات حول كل شىء، بداية من هجوم الأمن على قراهم مساء اليوم السابق، إلى حكايات وجدل عن «هل قراقوش هو الذى منع المصريين من أكل الملوخية، أم الحاكم بأمر الله؟».

«
موسى الدلح».. يعاملونه كشيخ للقبيلة رغم رفضه ذلك، هو أحد أبرز المطلوبين أمنيا، يجلس مرتديا جلبابه البدوى الرمادى، وبنطلونا من نفس اللون، متكئا على «مخدة» مسنودة على حائط حجرى، يستبدل حزام الوسط البدوى النمطى بشنطة وسط على الطراز الأمريكى، ولكنه لا ينسى أن يثبت فيها خنجراً صغيراً فضى منقوشة عليه بعض الرسومات البسيطة، يعامل «موسى» الذى يرفض لقب «الكبير»، الجميع باحترام ويحتضنهم بحب وسعة صدر، فلا ينزعج من معارضة أحد أو اختلافه معه فى وجهة نظره، ويحاول إقناعه بأسلوبه المنمق وكلماته التى يجيد اختيارها، فى بطاقة موسى تحمل خانة الوظيفة «منسق الشؤون الخارجية للبدو بمصانع الأسمنت»، وهى الوظيفة التى يقول إن «جهات ما» كافأته بها بعد خروجه من المعتقل لفترة.

فوق التلة الصحراوية القريبة من قرية «وادى عمرو» بوسط سيناء، يلملم الجميع أرواحه، ويرسلها فى نظرات من خلال ثقوب الجدران إلى الطريق الرئيسى، حيث ترابط مدرعات الشرطة، لا يخاف «الجنيّون» (مصطلح بدوى يعبر عن البدو المطاردين أمنيا) على أنفسهم من قوات الشرطة، ولكنهم يفكرون باستمرار فى عائلاتهم المستقرة بالأسفل، يخافون عليها من المداهمات والانتهاكات – حسب قولهم - يتذكر أحمد الدلح: «والله يا شيخ لما دخلوا البيت ما خّلوا فيه شىء، حتى زجاجات العطر، وشاحن الموبايل، والأحذية لم تسلم من أيديهم»، وبصوت اجتهد ليخرج هادئا يكرر «موسى الدلح» مكالمة بينه وبين أحد أفراد الجهاز الأمنى يسأله فيها بتهديد مبطن عن ابنه عمرو صاحب الـ١٦ عاما، فوق التلة يجلس الجميع متناثرين فى أنحاء المكان، ينام البعض، ويقرأ آخرون الصحف، التى يفضل البعض الآخر متابعتها على شبكة الإنترنت من خلال موبايله أو اللاب توب، لا تجمعهم إلا نظرات تتكرر تجاه الشخص الذى يجلس فوق حائط غير مكتمل بناءه، يراقب الطريق عبر نصف منظار حربى، ربما فقد نصفه الآخر خلال أحداث حرب مضت.

صباحا، تختفى إحدى السيارات، قبل أن تظهر ثانية، حاملة معها عدد كبير من الصحف، تجمّع البدو المطاردون (الجنّيون)، فى حلقات حول الصحف، الجميع يقرأ ويعلق بصوت عال، ويسخر أحيانا أخرى، يقول أحدهم «الراجل اللى اسمه عمرو أديب كان بيسب علينا من يومين، والله لو عرفنا إنه جاى سيناء، سوف نخطفه» فيكمل آخر «وبعدين راح نتركه، ويطلع على التليفزيون» ويبدأ فى تقليد أداء الإعلامى الكبير «سوف يقول: خرجوا عليا زى الوحوش، هددونى برشاشات آلية، فسألتهم إنتم أهلاوية ولاّ زملكاوية»، يضحك الجميع، ضحكات صافية، خالية من القلق وإحساس المطاردة، اللذين لا يظهران إلا عند الحديث عن العائلات والأولاد.

على سور الحوض المائى، يقرفص للوضوء «سلامة فياض»، مرتديا «جاكت» مكتوبا عليه «القوات الجوية الملكية السعودية»، فوق تى شيرت دون أكمام، بلحية غير مهذبة وطاقية بيضاء، يحكى عن أبنائه الستة، ومنتجعه السياحى فى جنوب سيناء، يتذكر اعتقاله لمدة طويلة، ومحاولة الأمن الاتفاق معه على العمل كمرشد مقابل الإفراج عنه، «وافقت، ولما خرجت من المعتقل، طلعت ع الصحراء، البدوى لا يشى عن بدوى للضباط»، وبمرارة مختلطة بفخر كبير يروى ما يراه إنجازه الشخصى: «وقت السيول خرجت سيارة إسرائيلية هامر عن مسارها وانقلبت فى الأراضى المصرية، وجدت فيها خططاً وخرائط للجيش الإسرائيلى، سلمتها لأحد الضباط، وانتظرت عفواً رئاسياً عن الأحكام الغيابية، لم أنله حتى الآن». مرارة سلامة عند حديثه عن قوات الأمن هى ما تجمع الجميع.. يختلف الجنّيون فى المزاج، وطريقة التفكير، ولا يجمعهم إلا حبهم لهويتهم البدوية، وإحساسهم بالظلم من طريقة تعامل بعض رجال الأمن معهم، والأحكام الغيابية التى تنال من الجميع لأسباب مختلفة.

يحلل موسى الدلح: «صورتنا الذهنية فى عقول ضباط وزارة الداخلية، مهربون، وتجار مخدرات، ويعاملوننا بمبدأ واحد (الحسنة تخص والسيئة تعم، حتى التليفزيون والسينما فى تصويرهما للبدوى لهما دور فى نقل هذه الصورة الذهنية)».

تحت شمس الصحراء الحارقة، يبحث الجميع عن الأخبار، تصفح الإنترنت والبحث عن كلمات «بدو، سيناء» لا يتوقف، سيارات تروح وتجىء بشكل مستمر محمّلة بالأخبار، وإذاعة الـ«بى. بى. سى» تطن دوما داخل إحدى السيارات، ورنين أجهزة الموبايل لا ينتهى، اتصالات دائمة، بعضها لنقل الأخبار، وبعضها الآخر للدعم وشد الأزر «هذا تليفون من قبيلة فى جنوب سيناء» و«هذه مكالمة من قبيلة فى وسط سيناء يخبروننا أنهم مستعدون لدعمنا بأى طريقة» البدو على اختلاف قبائلهم يوحدهم الإحساس بالظلم يلخصه أحدهم: «مش عايزين نتعامل مع وزارة الداخلية، أى جهة سيادية أخرى، ولكن الداخلية لا».

قبل غروب الشمس تختفى إحدى السيارات من جديد، قبل أن يعود قائدها حاملا معه طعاماً ومياهاً معدنية، وعدداً من عبوات المياة الغازية والسجائر، وينطلق من جديد ببعض الطعام لمكان آخر، به عدد آخر من «الجنيين»، قبل أن يعود وينقسم الجميع إلى حلقات، يلتفون حول الطعام، يأكلون ويمضغون القلق والمرارة، يأخذهم الحديث عن الداخلية، إلى قراقوش الحاكم التاريخى، فيقول أحمد «المصراوية اتعودوا على الظلم، ده قراقوش منعهم من أكل الملوخية» فيرد «الدلح» «الحاكم بأمر الله هو الذى منع أكل الملوخية، والمصريون شعب طيب، لا يثور، حتى ٢٣ يوليو، كان انقلاباً عسكرياً» يحلل البدو المطاردون فوق الجبل بأريحية خبراء سياسيين على شاشة قناة إخبارية، لا يخافون المدرعات المرابطة على حدود قراهم، يقول سلامة فياض بخبرة عسكرى: «إحنا على منطقة حدودية، لا يستطيع الأمن الدخول فى اشتباكات واسعة، ولو استطاع عدد من المدرعات الدخول إلى الصحراء، ففترة الـ(١٠ دقائق) اللازمة لوصولهم إلينا كافية لهروبنا فى الصحراء الواسعة، ولو دخلوا بعدد بسيط من المدرعات فتسليحنا كاف لمواجهتها».

مكالمة تليفونية تتحدث عن شائعة وصول طائرة هليكوبتر «اباتشى» لمطار العريش، يقابلها الشباب بالابتسامات القلقة، ويستقبلها الكبار بالضحكات الصافية: «نحن فى المنطقة (ج) ممنوع وصول الطائرات المسلحة إلى هذا المكان». أسأل «سلامة»: «ولو وصلت؟» يرد بثقة: «قبل ما توصل نكون خطفنا اليهود من جنوب سيناء وصنعنا منهم ساتر بشرى». فى البناء الحجرى البسيط، لا يحمل «الجنّيون» أسلحة، تحمل السيارات أسلحة مختلفة، ولكن أحاديث غير مكتملة، وإيماءات بين «الكبار» فوق الجبل، تعبر عن وجود الكثير من الأسلحة، يقول أحدهم «الله يرحمه عبدالناصر ترك لنا الكثير من مخازن الأسلحة».

بوعى سياسى جيد، يخوض البدو فوق الجبل مناقشاتهم السياسية، يتحدث الجميع - ويؤكد «موسى» المحافظ - على التقاليد، عن أحد الأعراف عندما ينفعل أحمد على أحد الشباب لمقاطعته، يقول: «المفروض يحترم الكبير»، فيرد موسى «الكبير الناس بتحترمه عشان بيحترم الصغير وبيكلمه كويس»، ويلتفت إلىّ «البدو سيظلون طوال عمرهم محافظين على تقاليدهم وأعرافهم، نرفض قوانين الدولة لأن قوانينا أكثر عدلا وإنصافا وتطبق على الجميع».. يصمت أحمد وينظر لموسى وللشاب، ويكمل حديثه المقطوع «الجنيه وقت عبدالناصر كان بتلاتة جنيه، وفى وقت السادات أصبح مساويا للدولار، الآن الجنيه ولا يسوى شىء»، شعور المرارة الذى يحمله البدو، يستند إلى اتهامهم المكرر بالفساد «احنا مش ملايكة، بس طالما فيه حساب يبقى على الكل، الكبير قبل الصغير». حسب موسى، ينام ويصحو، يتذكر أولاده، ويطمئن عليهم، ويسأل «يرضى مين نظل مطاردين فوق الجبل؟» فيرد أحدهم «لماذا لا يحاسب الضباط أيضا؟».

إحساس «غياب دولة القانون» الظاهر بقوة فوق الجبل، بدأ منذ زمن بعيد بالأسفل «لما يحاسبوا كل الفاسدين فى الدولة، يحاسبونا احنا كمان»، كلمات يشارك بها أحد الشباب فى الحديث أثناء صب أكواب الشاى الصغيرة.

بعد الأكل والشاى، يدخل معظم المتواجدين فى وصلات نوم متقطعة، ويظل أحد الشباب قابضا على المنظار، يقطع صمته القلق المستمر من وقت للآخر، بعدّ المدرعات على الطريق الرئيسى، أو بإشارة إلى تحرك إحدى المدرعات، ومجىء بديل لها، ويبقى آخرون صامتين يحدقون فى الصحراء الواسعة لفترات طويلة، فى واحدة من العادات التى علمتها لهم الصحراء، يستيقظ موسى وآخرون، يتوضأ كل منهم ويصلون فى عمق الصحراء، على الرمال، يستقبلون الضيوف ويشربون الشاى، يتبادلون التحيات مع الضيوف، والتحليلات لكيفية انتهاء الأزمة.. يؤكد بعضهم أن ما يفعلوه مجرد رد فعل على انتهاكات الشرطة لمنازلهم، ويتذكرون المشهد فى معبر «العوجة» عندما هاجموه وأوقفوا حركته التجارية لفترة، قبل أن تتدخل إحدى الجهات السيادية للإفراج عن أفراد عائلاتهم المخطوفة مقابل عدم تكرار الهجوم على المعبر..

يمر الوقت فى دردشات متناثرة على الرمال، تحت ضوء شمس الغروب، قبل أن يصل «سالم لافى» أبرز المطلوبين أمنيا.. وجه أسمر ممتلئ، وذقن محددة بدقة يختلط فيها الشعر الأبيض بالأسود، يرتدى تى شيرت أسود، وبنطلونا «باجى» بنى اللون، يحمل فيه مسدسا، ويلف على رأسه شالا أبيض اللون، يدخل محييا الجميع بأسلوب مسرحى، مبتسما، مرحا، يدندن بالأغانى، ويلقى النكات والقفشات، وبعد لحظات يجمعه لقاء ثنائى مع موسى للتفاوض حول التفاصيل التى سيصرحون بها لوسائل الإعلام، يداعب سالم الجميع بالأعلى، ويتحدث باستهتار عن المدرعات بالأسفل، وعندما يقف المراقب ليعلن عن تحرك المدرعات، يقترب الجميع من السور لإلقاء نظرة، ويبقى سالم وموسى جالسين متكئين على الحائط الحجرى، يكملان نقاشهما.

تغرب الشمس، وتبدأ أصوات الرياح القوية فى السيطرة على المشهد، يغيب القمر غير المكتمل، خلف سحب تملأ السماء، يبدأ الجميع فى ركوب السيارات، ويقرر سالم لافى اصطحابى معه فى السيارة، التى تخترق رمال الصحراء بسرعة كبيرة، قبل أن تصل إلى الطريق الرئيسى، يسود الصمت، ويلاحظ سالم نظراتى إلى الرشاش تحت قدمى، فيداعبنى: «لا تقلق لا يضرب إلا فى وجه من يغضبنى»، يسود الصمت لدقائق قبل أن يكسر حاجزه سالم محاولا طمأنتى بفتح نقاش طويل يبدأ بسؤاله: «لو قُتلت الآن، هل أصبح شهيدا؟!»، لسالم نظريته الخاصة: «أنا بدافع عن بيتى وأرضى وعِرضى» ويستشهد بحديث نبوى يقول معناه (من مات دون عرضه وأرضه وماله فهو شهيد»، ويكمل: «يعنى لو قتلت أكون شهيد، يبقى أخاف من إيه؟»، من وقت لآخر يطمئن سالم على باقى السيارات خلفه فى المرآة الجانبية، ويكمل حديثه «القضية بدأت عندما قتل ضابطان وعدد من الجنود بدوا فى سيارة حاولت تخطيهم على الطريق، السيارة كانت لبدو يعملون فى إدخال السيارات إلى مصر مقسومة إلى نصفين، وفى القاهرة يتولى البعض إصلاحها»

ويكمل: «يعنى مش بيسرقوا ولا حاجة، قتلتهم قوات الشرطة، فغضب البدو بشدة وتجمهروا أمام مكتب الأمن، فاتصل بى وبصديقى إبراهيم العرجانى أحد قيادات الأمن فى سيناء لتهدئة الأوضاع، كنت مشغولا، فأرسل ابراهيم أخاه واثنين من أقربائه إلى التجمهر لتهدئتهم، وفى الطريق إلى هناك، قتلهم ضابطان وأربعة عساكر، وأخذوهم إلى منطقة حدودية ودفنوهم مع القمامة، ولكننا استطعنا الوصول إليهم، وصورناهم فيديو، وأعطيت أنا هذه المقاطع إلى لجنة تقصى الحقائق التى جاءت للتحقيق من مجلس الشعب، فنشرها أحد أعضاء اللجنة فى وقت متزامن مع تصريح لوزير الداخلية يقول إن الشرطة لم تقتل أحداً من البدو، وهو ما أغضب الأمن وقرر الانتقام، فاتهمونى انا وإبراهيم العرجانى بإثارة الشغب، واعتقلونا معاً، وعندما علمت أن فترة حبسى سوف يتم تمديدها، هربت، وسأظل هاربا».

يقطع «لافى» حديثه وينظر فى المرآة الجانبية، ويتساءل عندما لا يجد أى سيارة خلفه «فين باقى السيارات راحت فين؟»، ويطفئ أنوار السيارة، ويدخل إلى الصحراء مرة أخرى، وفوق تلة رملية، يقف، وينظر إلى الطريق، صامتا، بعيونِ لامعة، يقف الزمان لوهلة، قبل أن يعود للابتسام عند ظهور أنوار السيارات من بعيد، وتباعا تتوقف السيارات على الطريق الأسفلتى لحظات قبل أن تقطع الصحراء الرملية لتصل إلى نفس النقطة.

فوق التلة الرملية وتحت لوحة مرسومة لسماء مليئة بالنجوم، ينزل الجميع من سياراتهم، ويبدأ بعض الشباب فى إشعال بعض الحطب، الذى يتحول لشعلة نارية كبيرة، يتحلق حولها الجميع، وينطلقون فى خيوط حكى لا تنتهى، يتذكرون بنفس الحميمية العائلة والأبناء والمواجهة الأخيرة مع الشرطة، يتحدثون عن المصراوية، وعن البرادعى، وخالد سعيد، يتذكرون ما يعتبرونه «أطرف القضايا» التى كانت الشرطة أحد أطرافها، فيروى أحدهم ما يراه «التلفيقة الأكبر عن «الشاب الذى اتهموه بالسطو المسلح فى جنوب سيناء»،

وينتصر عليه آخر بحكاية: «فى قريتنا وبسبب الأعراف لا نستخرج شهادات وفاة لموتانا، رجل عجوز مات عام ١٩٨٣، اتهموه بالاتجار فى المخدرات فى قضية عام ٢٠٠٧»، يضحك الجميع فى أجواء أشبه برحلات السفارى، كلما انتهى أحد الخيوط، مد أحدهم خيطا جديدا يتسامرون حوله، حتى أرسلت الشمس خيوط ضوءها الأولى، لتقطع خيوط السمر، ويسكت «الجنّيون» عن الكلام المباح





نشر فى المصري اليوم الأحد 4 يوليو
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=261309

3 comments:

أنا - الريس said...

لا اعرف الأن هل أنا معهم أم عليهم
اشعر انهم مظلومين وظالمين
البدو ليسوا ملائكة مثلنا لكن لهم أفعال تهدد الدولة
والشيء الذي يهدد الدولة أيا كان
لابد أن يسيطر عليه
وإلا لم يسيطر عليه
لابد من تنبيههم والقضاء
عليهم
بعد القرأة اصبحت لا اعرف شيئا

Anonymous said...

مصر كلها بتساءل : أين ذهب ال ” 130 مليار دولار” ؟…..؟

ثقافة الهزيمة .. في مهب الريح.

فى حديثه بقناة الجزيرة فى سبتمبر 2004 قال الأستاذ محمد حسنين هيكل أنه خلال الثلاثين سنة الأخيرة حصلت مصر على 150 مليار دولارعلى شكل منح وقروض وهبات .. صرف منها حوالى 12 مليار دولارعلى مشاريع البنية الأساسية وستة مليارات دولارعلى مشروع مترو الأنفاق .. ومصيرالمبلغ الباقى غير واضح !!!! أين ذهب هذا المبلغ الضخم وهو ” 130 مليار دولار” ؟…..؟

لمزيد من التفاصيل أذهب إلى مقالات ثقافة الهزيمة بالرابط التالى

www.ouregypt.us

Vera said...

صورتنا الذهنية فى عقول ضباط وزارة الداخلية، مهربون، وتجار مخدرات، ويعاملوننا بمبدأ واحد (الحسنة تخص والسيئة تعم، حتى التليفزيون والسينما فى تصويرهما للبدوى لهما دور فى نقل هذه الصورة الذهنية

بالضبط
ببساطة النظام الامني في مصر يتداعى
ده ان مكنش مات واندفن واتحاسب
ودخل النار

المشاوير

كنت الخامس بين إخوتي. ولكن نداهة المشاوير خاطبتني مبكرًا، لأني ذكر صغير. وأخي ذكر كبير. وبيننا فتاتان لا يصح أن يخرجا إلا للشديد القوي، م...